الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

الخط العربي ونشأته :

أبجد هوز


الخط العربي هو فن وتصميم الكتابة في مختلف اللغات التي تستعمل الحروف العربية ومن أهم الأشكال الفنية في التراث ، التي تعكس اتساق الفن مع الإيمان ، وتكشف أبعادًا في التعبير البصري عن الثقافة ، تجعلها منظومة لا تنفصل ؛ فمعنى الكلام كامن في شكله ، وانسياب الحرف أو جموده ، تكوّره أو استقامته ، ليست فقط عنصرًا في التعبير عن طبيعة الشخصية -كما يقول علماء النفس- بل هي أيضًا محددات لشخصية الأمة ، وملامح الثقافة العربية في الإجمال ، والتركيب في اللوحة من خلال استخدام وحدات الحروف العربية لثرائها الشديد وعلاقات التداخل المستمر المدروس بينها ، حيث تنسج الإحساس ، وتخلق العلاقة مع المتلقي الذي يكتشف جمالية الخط من خلال التأثير البصري بالدرجة الأولى ، الخط العربي من أهم أشكال الفنون الإسلامية ، فالخط كفن هو تجلٍ لعقيدة التوحيد في الإبداع البشرى؛ حيث يصبح الإحساس بالإبداع متجاوزًا لزخرفيات وجزئيات التشكيل الفني ، ويمتد خارج إطار العمل الفني نفسه لينقل هالات الإدراك النورانية بشكل غير محسوس ولا مجسد ، فليس مهمًّا مثلا أن تقرأ كل الحروف بدقة ، أو أن تفهم معنى الكلمات بوضوح بل يظل التشكيل باستخدام الحرف العربي فنًا وإبداعًا من حيث هو تشكيل ونورانية متجاوزة لإطار اللوحة المقيد في حد ذاته. 
 والخط العربي له طبيعة خاصة في الانحناءات والاستقامات، والاستمرار على المحور الأفقي؛ وهو يعبر عن نواحٍ جمالية يندُر أن تُوجد في أي خط آخر . حيث إنه من أكثر الفنون أصالة ؛ فهو كفن نما في ظل الحضارة الإسلامية ، وتشعبت فروعه المتنوعة فلم يخضع لأي مؤثر أجنبي ، وتأثر بالعمارة الإسلامية وارتبط بها حيث إنه من أهم الزخارف التي قامت عليها زخارف المساجد والمنازل .
ويعتمد الخط العربي جماليا على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتُستخدم في أدائه فنيا العناصر نفسها التي تعتمدها الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديا فحسب بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط معها في آن واحد .
واللون معيار أساسي لخروج الفكرة كما يتصورها أي فنان ، ومن البديهي القول إن اختيار اللون يحمل في داخله اختيار لأسلوب التعبير عن الفكرة، ومع الخط والحروف التي تتداخل مع الزخارف والنقوش الإسلامية يصبح من الضروري اختيار اللون بعناية فائقة؛ تسمح لكل عنصر في اللوحة بأن يؤدي وظيفته التشكيلية بالوضوح والقوة اللازمة . كما تسمح للون ذاته أن يضفي أداءه الدرامي على سطح اللوحات فيكتمل المعنى ويشرق الإحساس.

والخطوط الزخرفية  له علاقة  بالدراسة المعمارية ، وكلاهما لا يقل عن الفن التشكيلي إبداع فني ، كذلك فإن الخطوط العربية هي أقرب إلى التكوين المعماري الذي تتداخل فيه دقة التنظيم مع الرؤية التشكيلية التي تستفيد من الخصائص التشكيلية الثرية وغير المحدودة للخط العربي في بناء المعنى الكامن لإحدى زوايا اللوحة أو بها كلها ، ثم يأتي اللون ليضع لمسة الفنان الأخيرة ، وينتج المزيج إحساس الروعة والمتعة الذي يتلقاه المشاهد للوحات . 


نشأة الكتابة العربية : 

لقد اختلف آراء المؤرخون حول نشأة الخط العربي·· ففريق يرى أن نشأته كانت إلهية محضة، حيث إن الله عز وجل قد أوحى إلى آدم بطريقة الكتابات كلها ثم كتب بها آدم كل الكتب وبعد زوال طوفان نوح عليه السلام أصاب كل قوم كتابهم فكان من نصيب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي ، بينما يذهب فريق آخر إلى أن الخط العربي اشتق من الخط المسند الذي يعرف باسم (الخط الحميري أو الجنوبي)، وانتقل الخط المسند عن طريق القوافل إلى بلاد الشام، أما الفريق الثالث فيرجح أن الخط العربي ما هو إلا نتاج تطور عن الخط النبطي ، وهذا ما تؤكده النقوش التي ترجع إلى ما قبل الإسلام والقرن الهجري الأول وهذه النقوش نجدها في منطقة (أم الجمال) شرق الأردن، ويعود تاريخها إلى (250م) ، وهناك نقش وجد في منطقة حوران إحدى ديار الأنباط يعود تاريخه إلى 328 م وهو عبارة عن شاهدة قبر (امرؤ القيس) الملك والشاعر الشهير، ثم انتقل الخط من حوران إلى الأنبار والحيرة ومنها عن طريق (دومة الجندل)إلى الحجاز·· وبالنسبة لي أميل إلى الرأي الذي يقول: إن التدوين يرجع إلى سيدنا آدم استشهاداً بقوله تعالى: (علّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) وقوله تعالى مخاطباً سيدنا محمد … ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾  ) .
نشأة أنواع الخطوط عبر تاريخها العربي الإسلامي : 
من أربعة عشر قرناً ظهر ( 14) نوعاً من الخط سبعة أنواع هي المستخدمة بكثرة ما بين الخطوط الأكاديمية والكلاسيكية ،  ويجمع علماء العربية أن أصل الخط أخذ من الخط النبطي المأخوذ من الخط الآرامي ثم تطور الخط عبر مدرستين أولهما الكوفية والثانية الحجازية ، أما الخط الكوفي فكان يميل إلى اليباس مع القسوة ، بينما يمتاز الحجازي بليونته وسهولة كتابته إبان الدعوة الإسلامية وقد بدأ التدوين القرآني في عهد الخلفاء الراشدين ، وكان هذا الخط غير منّقط وغير مُهجى ولم يكن له علامات لبدايات السور ونهاياتها ولا أرقام للآيات الكريمة ، وكان لابد أن يتطور هذا الخط فمر بمراحل عدّة كوضع النقاط على الحروف أولاً ووضع التشكيل الخفيف والمصطلحات الضبطية ثم تطور الخط وتشعبت أنواعه بعدها على يد خطاطي العصر الأموي وأولهم" قطبة المحرر" الذي استخرج الأقلام الأربعة واشتق بعضها من بعض ، وكان في عصره أكتب الناس على الأرض العربية ، وقد بدأ يدخل من التدوين من خلال الزخرفة وإدخال التزيينات والذهب في الآيات القرآنية ، وفي العصر العباسي ظهر "ابن مقلة" الوزير المعروف الذي كان خطه مضرب الأمثال في البهاء والجمال ، فجوّد الخط ووضع موازين الحروف بأبعاد هندسية حتى وصل هذا الفن إلى مرتبة لا تضاهى ، واستمر تطور الخط ووضع القواعد له حتى العصر العثماني على يد مصطفى الراقم الذي سار على نهجه بقية الخطاطين العثمانيين ·


مهارة الخط العربي :
وتعد كتابة الخط من الفنون الصعبة التي هي بحاجة شديدة إلى المهارة الفائقة،والموهبة ، والدراسة والتحصيل، والممارسة والتدريب. ولذلك. . . فالخطاط الماهر يحتاج إلى ساعات عمل طويلة يومياً لتجويد خطه وتحسين مستوى أدائه الفني، لدرجة أنه لا يستطيع أن يتوقف يوماً واحداً عن مزاولة مهنته المحببة إلى نفسه .وتروي كتب التاريخ والفن. . . رواية مشهورة عن الخطاط التركي الحافظ عثمان، الذي كتب المصحف الشريف عدة مرات متتالية قوله في هذا الصدد: لو عرضت عليّ الخطوط المختلفة، التي أكتبها طوال الأسبوع ؛ لعرفت بحاستي الفنية، من بينها.  خطوط يوم السبت ؛ لأنها تكون أقل مرونة من خطوط بقية أيام الأسبوع، بسبب توقفي عن الكتابة يوم الجمعة. كناية عن مهارته الشديدة في حذق هذا الفن، والمهارة غير الفائقة في معرفة الفروق بين الخطوط والأوقات التي تتم الولادة فيها العملية الفنية .